Wednesday, October 18, 2006

شئ عن الفدرالية وكركوك


نود في بدء حديثنا أن نوضح العلة في الربط ما بين الفدرالية وكركوك.. إذ هما جزءان لا يتجزءان، مرتبطان في ظاهرهما، ومنفصلان في جوهرهما.. لأنه كلما ذكرت الفدرالية أقحمت كركوك فيها، وكلما ذكرت كركوك تبادر الى الأذهان إستئصالها عن الجسد العراقي... ولذا إرتأينا أن نتحدث ههنا بقليل من الإيجاز، لأن العبرة ليست في الإطالة إذا دل عليها القليل من الكلام.

موضوع الفدرالية هو في الواقع تحوّل في الإستراتيجية الأميركية قبل أن يكون مطلبا كرديا أو شيعيا.. إذ أن الوثائق الأميركية التي تم الإطلاع عليها قبل إحتلال العراق بل وتتعداه الى حقبة السبعينات القرن الماضي والتي تؤكد عزم الولايات المتحدة الأميركية على تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على أساس طائفي وعرقي. غير أن إصطدام هذه الفكرة بالواقع العراقي ـ بعد الغزوـ الرافض لتجزئة الوطن، كشف عن حقيقة كون العراقيين ـ مهما كانوا مختلفين مع نظامهم المقبور ـ غير مستعدين لقبول الفصل ما بين الجبل والنخلة وما بين الهور والقلعة. وأمام هذا الواقع الصلب لم يكن للأمريكان إلا أن يعزفوا على أوتار "الفدرالية" لعل بها يحفظون ماء الوجه!!!. ورغم أن الفدرالية ـ بشكلها الأميركي ـ مرفوضة جملة وتفصيلا، إلا أنها ـ وبصورة عامة ـ قد تكون "صيغة حل مؤقتة" على أن تتمتع بها كافة القوميات والطوائف العراقية لحين بلورة فكرة لإنشاء "دولة العراق" تمتد سيادتها من القرنة الى زاخو.. وأيا كان شكل الفدرالية المزمع إقامتها فإننا نرى أنها ـ هي الأخرى ـ دليل فشل الإدارة الأميركية في فرض سيطرتها على العراق. لذا نجد أن المسؤولين الأميركان يقومون بين الحين والآخر بالإدلاء بتصريحات "إرهابية" حول إحتمال نشوب حرب أهلية في العراق!!!. وعبثا ما تحاول الإدارة الأميركية ومعها الإدارة البريطانية إلقاء اللوم على إستخبارات بلدانها وإبراء ذمم حكوماتها من تحمل أعباء غزو العراق. وعبثا ما يحاول جورج بوش السماح لتشكيل لجنة تحقيق محايدة بخصوص الجرائم التي ترتكبها قواته في العراق. فكل تخبطاتهم من الفدرالية والتلويح بالحرب الأهلية وتبادل التهم ما هي إلا محاولة للهروب من المستنقع العراقي. وللتأريخ نقول: إن نهاية الهيمنة الأميركية على العالم في طريقها الى الزوال بدءا من العراق.. وهيهات أن تحكم العالم بعد العراق، بل أن تحكم نفسها كدولة!!!.

أما كركوك "الجريحة"، وما أدراك ما جرحها؟ فهي كاليتيم أو القاصر الغني، والجميع يحاولون فرض وصايتهم عليه... حتى إذا أنتهى المال إنتهت الوصاية!!! وإن شبهنا كركوك باليتيم إلا أن أبوها حي يرزق وهو "العراق"، ولن يزال العراق بخير بفضل "محافظاتها" وأهلها.

لا أحد ينكر ولن يستطيع أن ينكر الطابع الفسيفسائي لمدينة كركوك. فهناك التركمان والعرب والأكراد والكلدان والآشوريين. إلا أن الغالبية المطلقة كانت دوما للتركمان.. وكتب التأريخ تشهد على هذه الحقيقة.. ومع هذا تحاول الإدارة الأميركية أن تظهر المدينة وكأنها مدينة متساوية الأعراق والأجناس في محاولة "خبيثة" منها للإستحواذ على ثروات المدينة النفطية. وأحداث كركوك الدموية التي وقعت خلال الفترة الأخيرة تثبت بأن أميركا لن تسمح لأي طرف ـ بما فيهم التركمان ـ ببسط نفوذها على كركوك!!. وقد لا نبالغ إذا ما قلنا بأن الأميركان يحاولون خداع جميع الأطراف في مسألة كركوك لكسب المزيد من الوقت من أجل تمرير مخططهم القاضي بتفريغ المدينة من أهاليها ونقلهم الى مدينة جديدة ستبنى لهم وباسم "كركوك الجديدة".. وقد تم التخطيط أن يكون موقع هذه المدينة إما شمال كركوك بين محافظتي السليمانية وأربيل، أو غربها على طريق تكريت.. بينما ستكون كركوك الحالية موقعا لشركات النفط الأميركية والإنكليزية. وهنا نود أن نذكر بأن أميركا لن تخرج من العراق ـ إن إستطاعت الصمود ـ قبل أن تستنفذ الإحتياطي النفطي الذي من الممكن أن يتم في مدة تتراوح ما بين 40- 50 سنة. ناهيك من جعل العراق مركزا لتنفيذ مخططها الكبير الذي أطلقت عليه "مشروع الشرق الأوسط الكبير".. وما جعل السفارة الأميركية في بغداد أكبر سفارة في العالم من حيث عدد الموظفين إلا دليلا على هذا التوجه.

وإذا أردنا أن نلخص ما ذكرناه فإننا نقول: إن الأميركان ومعهم الإنكليز يحاولون كسب المزيد من الوقت بخداع العراقيين في موضوع السلطة والسيادة وفي سائر القضايا الوطنية في سبيل تمرير مخططاتهم "الشيطانية". إلا أن العراقيين قد أثبتوا بأنهم شعب لا يلدغ من جحر مرتين. خصوصا وأنهم عاشوا تجربة الإحتلال مع الإنكليز خلال أقل من قرن.. فلا للفدرالية.. ولتبقى كركوك عراقية.